مقالات

هل يتخلى السيسي عن ورقة الخيار العسكري لحل أزمة سد النهضة ؟

وليد عباس – مونت كارلو الدولية

قبل أسابيع على بدء أثيوبيا القيام بعملية الملء الثاني لخزان سد النهضة في يوليو/تموز المقبل، يشوب الغموض والتأرجح التصريحات الرسمية المصرية بشأن تطورات أزمة سد النهضة.

الرئيس عبد الفتاح السيسي دعا، خلال مشاركته في القمة الإفريقية الأخيرة في باريس، إلى ضرورة حل هذه الأزمة وإلا انعكس الأمر بصورة خطيرة على أمن واستقرار المنطقة كاملة، وهو ما اعتبره المحللون تحذيرا واضحا لأثيوبيا وللأطراف الأفريقية التي تدير المفاوضات الثلاثية، ولكن تصريح وزير الخارجية المصري سامح شكري، قبل ذلك بأيام، أثار ضجة كبيرة في الشارع المصري، ذلك إنه اعتبر أن عملية الملء الثانية لخزان سد النهضة لن تؤثر على المصالح المائية لمصر، التي تتمتع برصيد آمن في خزان السد العالي، واعتبر تصريح شكري بمثابة إذن ومبرر لأثيوبيا للقيام بعملية الملء الثانية، وقد استغلت الخارجية الأثيوبية هذا التصريح بالفعل، وروجت له بمختلف لغات العالم، وأبدى المسؤولون الأثيوبيون ارتياحهم لما أعلنه الوزير المصري.

وتأتي هذه التصريحات، بينما المفاوضات الثلاثية بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا متوقفة تماما، والولايات المتحدة التي كانت قد تعهدت بتقديم مقترحات للحل، إثر جولة موفدها الخاص جيفري فيلتمان، لم تقدم أي جديد، وفقا لوزير الموارد المائية والري المصري محمد عبد العاطي، وهو الوزير المختص والذي – وعلى عكس زميله وزير الخارجية – كان قد أطلق تحذيرات شديدة اللهجة من أخطار سد النهضة الذي سيؤدي إلى نقص كبير في الموارد المائية المصرية.

وأمام التعنت الأثيوبي على البدء في عملية البدء في يوليو / تموز المقبل، بصرف النظر عن المفاوضات أو نتيجة هذه المفاوضات في التوصل إلى اتفاق، تبدو المواقف الأمريكية والإفريقية وبعض المواقف العربية، كمحاولة لتضييع الوقت حتى تبدأ عملية الملء الثاني، كما تبدو الردود المصرية المختلفة، من حيث الشكل على الأقل، كما لو كانت متلائمة مع هذا الهدف، وفقا لقطاعات من الرأي العام المصري، وتكمن الخطورة في أن عملية الملء الثاني في حال إتمامها ستنزع من يد المفاوض المصري ورقة الخيار العسكري، لأن أي مساس بالسد في تلك الحالة، سيؤدي إلى كارثة بيئية كبيرة في السودان مع فيضان ستكون خسائره البشرية والمادية كارثية.

وربما يبرز غموض الموقف السوداني لهذا السبب، إذ يتردد في كواليس السلطة في الخرطوم أن سد النهضة هو أحد نقاط الجدل داخل السلطة المزدوجة التي تحكم السودان، وبينما يميل الشق العسكري بقيادة الفريق برهان رئيس المجلس الانتقالي إلى عدم استبعاد حل عسكري للأزمة، يرفض الشق المدني بقيادة رئيس الحكومة حمدوك هذا الخيار نهائيا، بل وتذهب بعض الأطراف السودانية للقول بأن سد النهضة يمكن أن يساعد السودان في عملية التنمية الاقتصادية، مما يطرح على القيادة المصرية تساؤلات حول طبيعة الموقف السوداني في حال احتدام الأزمة.

وتكتمل الصورة مع إجراء الجيشين المصري والسوداني لمناورات مشتركة على الأراضي السودانية في نهاية مايو / أيار، تحت تسمية مناورات “حماة النيل”، وهي المناورات التي يأمل أنصار الرئيس المصري في أن تكون مؤشرا على تحرك مصري عسكري قبل عملية الملء الثاني، كما يريد الرأي العام المصري، ويرى خصوم السيسي أنها مجرد تحركات لتهدئة الرأي العام، بينما قررت الإدارة المصرية التخلي تماما عن الخيار العسكري إرضاء للأطراف الدولية والإقليمية والتي أصبحت لها مصالح اقتصادية في السد الأثيوبي.

الرئيس المصري، يتمتع في هذه اللحظة بموقع قوي، بعد نجاحه في الوساطة بين إسرائيل وغزة، وليس من المستحيل عليه القيام بخيار عسكري لحل، أو على الأقل لتحريك الموقف الأثيوبي، ولكن هل سيفعل ذلك؟

المصدر من هنا

قد يعــجبــك أيضاَ

زر الذهاب إلى الأعلى