داعش في الخرطوم.. صافرة إنذار مبكرة!

القاهرة: صباح موسى
أطلقت خلية جبرة، صافرة إنذار؛ للتنبيه بأن السودان وهشاشة مرحلة الانتقال فيه، قد يكون مقراً بديلاً للتنظيمات الإرهابية، ووسط حالة الصدام الحاد التي تشهدها البلاد هذه الأيام بين المكونين المدني والعسكري، التي تعد إنذاراً خطيراً للمرحلة الانتقالية والانتقال في السودان، يعلن جهاز المخابرات عن مداهمة خلية إرهابية تتبع لتنظيم داعش الإرهابي، وهي مكونة من (15) أجنبياً من جنسيات مختلفة، وكانوا يتحصنون في شقة مفروشة بإحدى البنايات في ضاحية (جبرة)، وأن المجموعة تبادلت إطلاق النار مع القوة الأمنية التي داهمتهم، أدت إلى مقتل (5) من الضباط، وأنه تم القبض على (11) من أفراد المجموعة، فيما تمكن (4) من الفرار.
ضوء أخضر
لا ينبغي أن يمر هذا الحادث مرور الكرام، فوجود خلايا للإرهاب بالبلاد، وتمددها هي بداية لسيناريو جديد وخطير ينتشر ويتمدد مع استشعاره ببوادر فوضى في أي بلد، وقد يكون السودان في الانتقال محط أنظار هذه الجماعات الإرهابية التي لاقت ضربات خطيرة في بلاد الرافدين في سوريا والعراق، وتريد مقراً جديداً في أفريقيا، والتي تعتبر بديلاً موفقاً بالنسبة لهم، خصوصاً وأن معظم جوار السودان في ليبيا والساحل الأفريقي بها جيوب لـ(داعش والقاعدة)، وربما أعطى الخلاف الحاد بالسودان ضوءاً أخضر لهذه الخلايا النائمة بسرعة إعداد نفسها وإعلان وجودها بشكل واضح.
ليست الأولى
لم تكن هذه هي المرة الأولى لوجود خلايا إرهابية بالخرطوم، ففي يونيو الماضي، أشارت تقارير إلى أن أجهزة الأمن ألقت القبض على (9) إرهابيين، بينهم (4) سودانيين، و(5) من جنسيات عربية أخرى كانوا يخططون لتنفيذ عمليات إرهابية في عدد من البلدان العربية بالتنسيق مع تنظيم القاعدة، ويبدو أن سخونة الأحداث التي تصاحب الانتقال بالبلاد، قد أخذت السلطات إلى التركيز على مشاكل أخرى داخلية من تفلتات أمنية ومواجهات قبلية وغيرها، إلا أن هذه الخلايا والجيوب للإرهاب، التي قد يكون لها وجود مماثل وقد يكون أكبر في الولايات المختلفة، تمثل خطراً أكبر على أمن واستقرار البلاد، ويجب مواجهتها بأيدٍ من حديد، لأن نجاحها في التمدد والاستقرار بالسودان سيكون أكثر الطرق لنشر الدماء والفوضى، ويرى الخبراء في هذا الشأن ضرورة التوافق والاتفاق الداخلي لعبور الانتقال بسلام، حتى لا تكون البلاد بيئة خصبة لتمركز إرهابي جديد في المنطقة، وقد يحتم هذا الأمر إلى ضرورة الحديث أولا عن رفع كفاءات الأجهزة الأمنية بمزيد من التدريب لمواجهة هذا التحدي العنيف والجديد عليها، والذي يعد أحد أكبر التحديات التي تواجهة أي انتقال في العصر الحديث.
داعش والقاعدة
ولمزيد من معرفة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) فيرى الخبراء في هذا المجال أن داعش تشكل ذروة تطور غير مألوفة في نشاط الجماعات الجهادية العالمية، وبدت مبتكرة في العديد من خصائصها وإستراتيجياتها، وأن واحدة من الاختلافات الأساسية بين التنظيمين الجهاديين (القاعدة وداعش)، أن داعش تبنى منذ بدايته هيكلاً تنظيمياً صارماً ومنضبطاً من أعلى قياداته إلى أصغر مراتبه، ولم يكن يتمتع بالحرية النسبية في اتخاذ القرار للقيادات الفرعية التي كانت تميز الكثير من عمليات القاعدة، وأنه قد تمكن – بحسب وثائق التنظيم- من جمع نحو (43) ألف مقاتل أجنبي من (120) بلداً، ويتسم (5) في المائة منهم فقط بأنهم على معرفة متقدمة بالشريعة الإسلامية، ويوصف نحو (70) في المائة منهم بأن لهم معرفة أولية بسيطة بالتعاليم الإسلامية، وأكد الخبراء أنه ما دامت الأسباب التي أقامت الجماعات الإرهابية ما زالت قائمة سيظل الإرهاب قائما، وأنه إذا لم يتم تفكيك أسباب قيام هذه الجماعات سنرى دوراً أكثر توحشاً لها، ونبه الخبراء إلى أن الإرهاب لا يمكن مواجهته عسكرياً فقط، مشددين على أن هناك ضرورة لصياغة إستراتيجية لذلك الآن حتى لا نجد طوراً أعنف من داعش.
صنيعة مخابراتية
كل تحليلات الباحثيين ما بعد أبوبكر البغدادي الذي كان زعيما لـ(داعش) شمال سوريا والمؤسس لها، تركز على أن الجماعات المتطرفة بالعالم قامت بصنيعة مخابراتية عالمية، وذلك لتحقيق أهداف بعينها في المنطقة، التي تعد مسرحاً لعمليات الإرهاب الدولي، وتوقع الخبراء أن تنتقل هذه التنظيمات من سوريا والعراق إلى ليبيا، وصحت هذه التوقعات، وأصبحت مصر والسودان عرضة لهجمات هذا التنظيم الجديد، إلا أن السودان يبقى هو المرشح الأقوى لهذا التنظيم، وذلك لأن السودان الآن يمر بمرحلة مفصلية بعد سقوط نظام عمر البشير، على عكس مصر التي واجهت موجة خطيرة من هذه العمليات الإرهابية، ومازالت تواجه، إلا أن مصر الآن أصبحت أكثر استقرارا بعد عبور مرحلة انتقالها، ما يجعل فرصة نجاحها في التصدي لبقاء هذه التنظيمات على أراضيها ممكنا.
الاختلاف بينهما
خبراء هذا المجال كانوا يعتقدون أن ذروة الجماعات الإرهابية بظهور أبوبكر البغدادي الذي أسس داعش أعلى بكثير، معددين المميزات التي ميزت داعش عن القاعدة في احتلال الأرض وشكل التنظيم والإعلام والتمويل، موضحين أن التنظيمات الإرهابية قبل داعش كانت عنقودية صغيرة، وأن داعش أقامت تنظيماً أفقياً به دواوين مختلفة للتعليم وغيره بجانب النظام العنقودي والخلايا النائمة التي تقوم بعمليات خارجية، وأضافوا أن ما يخالف داعش فهو بالنسبة لها كافر، وأنها اعتبرت الشيعة عدو لها وهذا ما ميزها عند الكثير من الشباب، وأن داعش هي أفضل من استخدمت وسائل الإعلام والتكنولوجيا، وأن لهم مواقع كثيرة وصحيفة، وألفوا (71) كتاباً، وكان هذا جاذباً للشباب أيضاً، لافتين إلى أن داعش لديها كمية هائلة من الأموال من النفط الذي استولوا عليه والاختطافات والفدية وغيرها من مصادر التمويل، مشيرين إلى كتاب أبوبكر الناجي الذي يمثل أحد المراجع الأساسية في تجنيد الشباب في داعش، وقالوا إنه لو نجحنا في ضرب الأرض التي تقيم عليها داعش فإن الفكرة مازالت موجودة، وأن الغرب استخدم قوته لضرب المشروع الإسلامي، وهذا ما ساعد على تجنيد الكثير من الشباب، مؤكدين أن ضرب داعش ليس معناه أن فكرة الإرهاب انتهت وأنه ربما نرى طوراً أعنف من داعش، وذكروا أن الجماعات الإرهابية تطورت حتى وصلت لداعش، وإذا لم يتم تفكيك أسباب قيام هذه الجماعات سنرى دوراً أكثر توحشاً، منبهين إلى أن الإرهاب لا يمكن مواجهته عسكرياً فقط، منادين بضرورة صياغة إستراتيجية لمواجهة الإرهاب من الآن حتى لا نرى طور أعنف من داعش.
تفريغ الطاقات
كما أكد الخبراء أن التطرف ليس دينياً فقط، وأنه عرقياً أيضاً، وأصبح بالمناطق الجغرافية وتوزيع التنمية فيها، وقالوا إن الشباب هم كل الحاضر وقادة المستقبل، ويجب تشجيعهم وتفريغ طاقتهم في الرياضة والثقافة وغيرها باقامة الأماكن التي تستوعب طاقتهم بدلاً من الأماكن التي تجذبهم للتطرف، موضحين أن الحروب الأهلية تولد شعورا بعدم الديمقراطية، وأن هناك فارقاً ومسافة بين الأجيال، ولذلك يأتي الخلاف، مضيفين لابد أن ننظر لقضايانا بطريقة أعمق، فالمشكلة في أننا لا نسمع للشباب ونختلف معهم ونعلمهم ثقافة الاختلاف وقبولها، مطالبين بضرورة الترابط بين الدول لمواجهة الإرهاب، محذرين من أن مناطق وسط أفريقيا والحروب الأهلية هي أكثر المناطق لانتشار الإرهاب، وقالوا إن مناطقنا من أكثر المناطق الخصبة لانتشار الإرهاب.
حوكمة رشيدة
الخبراء أكدوا كذلك أن الإرهاب ليس له وجه، وأن أي شخص يمكن أن يكون إرهابياً، وقالوا إن الغرب ألصق الإرهاب بالإسلام فقط، وهذا معناه أن داعش سوف تستمر، مضيفين أنه لابد أن تكون هناك حكومة رشيدة، وأن يكون هناك إنسجام بين الرؤساء على مستوى القارة الإفريقية، غير ذلك سيصب في مصلحة الغرب، مناديين بضرورة وجود آلية داخلية لمساعدة الدول المجاورة لإطفاء أي حريق، وقالوا إن الإتحاد الأفريقي يجب أن يكون له دور في ذلك بدلاً من الاستعانة بالغرب لإخماد الحروب في بلادنا، مشيرين إلى أن هناك شباباً من الغرب في تنظيم داعش، وأن هذا معناه أن الغربيين سيواجهون صعوبات كثيرة، لافتين إلى أن مقتل عساكر أفريقيين لا يتحدث عنه أحد، وإلى أنه لو قتل جندي أمريكي تقوم الدنيا، وقالوا حتى لو قضينا على بوكو حرام في أفريقيا ستنشأ حركة أخرى، ورأينا ماذا حدث في الربيع العربي وكيف يحرق شاب نفسه، لأنه لم يجد فرصته، وأن الحديث والكلام رائع وسهل، ولابد لنا من إيجاد فرص للشباب معتمدين على موارد القارة، غير ذلك سنفتح الباب أمام الإرهاب والإرهابيين والذين يعلمون كيف ينقلوا رسالتهم، مؤكدين أن داعش ستنتهي، ولكن ستظهر داعش أخرى طالما الأسباب مازالت موجودة، وأن الشباب هم ضحية الإرهاب والتطرف، وأن الفقر هو أحد الأسباب الأساسية للإرهاب، منادين بضرورة تضافر الجهود بين الدول لمكافحة التطرف والإرهاب وايجاد الفرص لتشغيل الشباب وتركيز طاقتهم في العمل بعيدا عن البطالة التي تعد بيئة خصبة لتطرف الشباب.
الاستعداد والمواجهة
الخلاصة أنه يجب أن يستعد السودان لأسوأ الاحتمالات سواءا في فرضية وجود داعش أو أي تنظيم آخر على أراضيه، خصوصاً أن البيئة الموجودة حالياً بالبلاد قد تكون خصبة لهذه التنظيمات، ويجب الاستعداد لمثل هذه المخططات، وكيفية مواجهتها مع الوضع الهش، فربما تكون (خلية جبرة) صافرة إنذار مبكرة للمواجهة بحسم، وربما يعيد ذلك التفكير في صيغة بديلة أو مناسبة لفكرة هيكلة الأجهزة الأمنية والنظامية بأخرى، وقد تكون فكرة رفع الكفاءة أكثر إيجابية لمنسوبي هذه الأجهزة، مع إعادة غرس العقيدة والانتماء للوطن كله، بعيداً عن أي انتماءات حزبية.
المصدر من هنا